سورة الأعراف - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَهُوَ الذى يُرْسِلُ الرياح} عطفٌ على الجملة السابقةِ وقرئ: {الريحَ} {بُشْرًا} تخفيف بُشُر جمعُ بشير أو مبشّرات، وقرئ بفتح الباءِ على أنه مصدرُ بَشَره، بمعنى باشرات أو للبِشارة، وقرئ {نُشُراً} بالنون المضمومة جمع نَشور أي ناشرات ونَشْراً على أنه مصدرٌ في موقع الحال بمعنى ناشرات أو مفعولٌ مطلقٌ، فإن الإرسالَ والنَّشرَ متقاربان {بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} قُدّامَ رحمتِه التي هي المطرُ فإن الصَّبا تُثير السحابَ والشَّمالَ تجمعُه والجَنوبَ تدُرّه والدَّبورَ تفرّقه {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ} أي حملت، واشتقاقُه من القِلة فإن المُقِلَّ للشيء يستقِلّه {سَحَابًا ثِقَالاً} بالماء، جَمَعه لأنه بمعنى السحائب {سقناه} أي السحاب، وإفرادُ الضميرِ لإفراد اللفظ {لِبَلَدٍ مَّيّتٍ} أي لأجله ولمنفعته أو لإحيائه أو لسقيه وقرئ {ميْتٍ} {فَأَنزَلْنَا بِهِ الماء} أي بالبلد أو بالسحاب أو بالسَّوْق أو بالريح، والتذكيرُ بتأويل المذكور وكذلك قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} ويحتمل أن يعود الضميرُ إلى الماء وهو الظاهرُ، وإذا كان للبلد فالباءُ للإلصاق في الأول والظرفية في الثاني وإذا كان لغيره فهي للسببية {مِن كُلّ الثمرات} أي من كل أنواعها وألوانها {كذلك نُخْرِجُ الموتى} الإشارةُ إلى إخراج الثمراتِ أو إلى إحياء البلدِ الميتِ، أي كما نحييه بإحداث القوةِ الناميةِ فيه وتطريتِها بأنواعِ النباتِ والثمراتِ نخرج الموتى من الأحداث ونحييها بردّ النفوسِ إلى موادّ أبدانِها بعد جَمعِها وتطريتها بالقُوى والحواسّ {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} بطرح إحدى التاءين أي تتذكرون فتعلمون أن مَنْ قدَرَ على ذلك قدَرَ على هذا من غير شبهة.
{والبلد الطيب} أي الأرضُ الكريمةُ التربة {يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ} بمشيئته وتيسيرِه، عبَّر عن كثرة النباتِ وحسنِه وغزارةِ نفعه لأنه أوقعه في مقابلة قولِه تعالى: {والذى خَبُثَ} من البلاد كالسبخة والحرَّة {لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} قليلاً عديمَ النفع، ونصبُه على الحال والتقديرُ والبلدُ الذي خبُث لا يخرُج نباتُه إلا نكِداً، فحُذف المضافُ وأقيم المضافُ إليه مُقامَه فصار مرفوعاً مستتراً وقرئ {لا يُخرِج إلا نكداً} أي لا يخرجه البلدُ إلا نكداً فيكون إلا نكداً مفعولَه، وقرئ {نَكَداً} على المصدر أي ذا نَكَدٍ، و{نَكْداً} بالإسكان للتخفيف {كذلك} أي مثلَ ذلك التصريفِ البديعِ {نُصَرّفُ الايات} أي نرددها ونكررها {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} نعمةَ الله تعالى فيتفكرون فيها ويعتبرون بها، وهذا كما ترئ مثلٌ لإرسال الرسلِ عليهم السلام بالشرائع التي هي ماءُ حياةِ القلوبِ إلى المكلَّفين المنقسِمين إلى المقتبِسين من أنوارها والمحرومين من مغانمِ آثارِها، وقد عُقّب ذلك بما يحققه ويقرّره من قصص الأممِ الخاليةِ بطريق الاستئناف فقيل:


{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ} هو جوابُ قسمٍ محذوفٍ أي والله لقد أرسلنا الخ، واطّرادُ استعمالِ هذه اللامِ مع قد لكون مدخولِها مَظِنّةً للتوقع الذي هو معنى قد، فإن الجملة القسَميةَ إنما تُساق لتأكيد الجملةِ المُقسَم عليها، ونوحٌ هو ابنُ لمك بن متوشلح بن أخنوخ وهو إدريسُ النبيُّ عليهما السلام. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: بُعث عليه السلام على رأس أربعين سنةً من عمره ولبِث يدعو قومه تسعَمِائةٍ وخمسين سنةً وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنةً فكان عمرُه ألفاً ومائتين وأربعين سنة. وقال مقاتل: بعث وهو ابنُ مائةِ سنةٍ وقيل: وهو ابنُ مائتين وخمسين سنةً ومكث يدعو قومَه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمُرُه ألفاً وأربَعَمِائةٍ وخمسين سنة {فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله} أي اعبدوه وحدَه، وتركُ التقييدِ به للإيذان بأنها العبادةُ حقيقةً، وأما العبادةُ بالإشراك فليست من العبادة في شيء وقوله تعالى: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} أي من مستحِقَ للعبادة، استئنافٌ مَسوقٌ لتعليل العبادةِ المذكورةِ أو الأمرِ بها، وغيرُه بالرفع صفةٌ لإله باعتبار محلِّه الذي هو الرفع على الابتداء أو الفاعلية، وقرى بالجر باعتبار لفظه، وقرئ بالنصب على الاسثناء وحكمُ غيرٍ حكمُ الاسمِ الواقعِ بعد إلا أي ما لكم من إله إلا إياه كقولك: ما في الدار من أحد إلا زيداً أو غيرَ زيدٍ، فمن إله إن جعل مبتدأً فلكم خبرُه، أو خبرُه محذوفٌ ولكم للتخصيص والتبيين أي ما لكم في الوجود أو في العالم إله غيرُ الله {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أي إن لم تعبُدوه حسْبما أُمرت به {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} هو يومُ القيامة أو يومُ الطوفان، والجملةُ تعليلٌ للعبادة ببيان الصارفِ عن تركها إثرَ تعليلِها ببيان الداعي إليها، ووصفُ اليومِ بالعِظَم لبيان عظيمِ ما يقع فيه وتكميلِ الإنذار.
{قَالَ الملا مِن قَوْمِهِ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من حكاية قولِه عليه الصلاة والسلام كأنه قيل: فماذا قالوا له عليه الصلاة والسلام في مقابلة نصحِه؟ فقيل: قال الرؤساءُ من قومه والأشرافُ الذين يملأون صدورَ المحافل بإجرامهم والقلوبَ بجلالهم وهيبتِهم والأبصارَ بجمالهم وأُبّهتهم {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال} أي ذهاب عن طريق الحقِّ والصواب، والرؤيةُ قلبيةٌ ومفعولاها الضميرُ والظرفُ {مُّبِينٌ} بيّنٌ كونُه ضلالاً.
{قَالَ} استئناف كما سبق {يَاقَوْمِ} ناداهم بإضافتهم إليه استمالةً لقلوبهم نحو الحق {لَيْسَ بِى ضلالة} أيُّ شيءٍ ما من الضلال، قصد عليه الصلاة والسلام تحقيقَ الحق في نفي الضلالِ عن نفسه رداً على الكفرة حيث بالغوا في إثباته له عليه الصلاة والسلام حيث جعلوه مستقراً في الضلال الواضِحِ كونُه ضلالاً، وقوله تعالى: {وَلَكِنّي رَسُولٌ مِن رَّبّ العالمين} استدراكٌ مما قبله باعتبار ما يستلزِمه من كونه في أقصى مراتبِ الهداية، فإن رسالةَ ربِّ العالمين مستلزِمةٌ لا محالة، كأنه قيل: ليس بي شيءٌ من الضلال ولكني في الغاية القاصيةِ من الهداية. ومن لابتداء الغايةِ مجازاً متعلقةٌ بمحذوف هو صفةٌ لرسولٌ مؤكدةٌ لما يفيده التنوينُ من الفخامة الذاتي بالفخامة الإضافيةِ أي رسولٌ وأيُّ رسولٍ كائنٌ من رب العالمين.


{أُبَلّغُكُمْ رسالات رَبّى} استئنافٌ مَسوقٌ لتقرير رسالتِه وتفصيلِ أحكامِها وأحوالِها وقيل: صفة أخرى لرسولٌ على طريقة:
أنا الذي سمّتني أمي حيدَره ***
وقرئ {أبْلِغُكم} من الإبلاغ، وجمعُ الرسالاتِ لاختلاف أوقاتِها أو لتنوّع معانيها، أو لأن المرادَ بها ما أوحيَ إليه وإلى النبيين من قبله، وتخصيصُ ربوبيتِه تعالى به عليه الصلاة والسلام بعد بيانِ عمومِها للعالمين للإشعار بعلة الحُكمِ الذي هو تبليغُ رسالتِه تعالى إليهم فإن ربوبيتَه تعالى به عليه الصلاة والسلام من موجبات امتثالِه بأمره تعالى بتبليغ رسالتِه تعالى إليهم {وَأَنصَحُ لَكُمْ} عطفٌ على أبلّغُكم مبينٌ لكيفية أداءِ الرسالةِ، وزيادةُ اللامِ مع تعدّي النُصحِ بنفسه للدلالة على إمحاض النصيحةِ لهم وأنها لمنفعتهم ومصلحتِهم خاصةً، وصيغةُ المضارعِ للدِلالة على تجدد نصيحتِه لهم كما يعرف عنه قوله تعالى: {رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً ونَهَارًا} وقولُه تعالى: {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} عطفٌ على ما قبله وتقريرٌ لرسالته عليه الصلاة والسلام، أي أعلم من جهة الله تعالى بالوحي ما لا تعلمونه من الأمور الآتيةِ، أو أعلم من شؤونه عز وجل وقدرتِه القاهرةِ وبطشِه الشديدِ على أعدائه وأن بأسَه يُردّ عن القوم المجرمين ما لا تعلمون. قيل: كانوا لا يسمعون بقوم حل بهم العذابُ قبلَهم فكانوا غافلين آمنين لا يعلمون ما علِمه نوحٌ عليه السلام بالوحي.
{أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ} جوابٌ ورد لمّا اكتُفيَ عن ذكره بقولهم: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال مُّبِينٍ} من قولهم: {مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا} وقولِهم: {لَوْ شَاء الله لاَنزَلَ ملائكة} والهمزةُ للإنكار والواوُ للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلامُ كأنه قيل: استبعدتم وعجِبتم من أن جاءكم ذكرٌ أي وحيٌ أو موعظةٌ من مالك أموركم ومربّيكم {على رَجُلٍ مّنكُمْ} أي على لسان رجلٍ من جنسكم كقوله تعالى: {مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} وقلتم لأجل ذلك ما قلتم من أن الله تعالى لو شاء لأنزل ملائكة {لِيُنذِرَكُمْ} علةٌ للمجيء أي ليحذرَكم عاقبةَ الكفر والمعاصي {وَلِتَتَّقُواْ} عطفٌ على العلة الأولى مترتبةٌ عليها {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} عطف على العلة الثانية مترتبةٌ عليها، أي ولتتعلق بكم الرحمةُ بسبب تقواكم. وفائدةُ حرفِ الترجّي التنبيه على عزة المطلبِ وأن التقوى غيرُ موجبةٍ للرحمة بل هي منوطةٌ بفضل الله تعالى وأن المتقيَ ينبغي أن لا يعتمد على تقواه ولا يأمنَ عذابَ الله عز وجل.
{فَكَذَّبُوهُ} أجمعوا على تكذيبه في دعوى النبوةِ وما نزل عليه من الوحي الذي بلّغه إليهم وأنذرهم بما في تضاعيفه، واستمرّوا على ذلك هذه المدةَ المتطاولةَ بعد ما كرر عليه الصلاة والسلام عليهم الدعوةَ مراراً، فلم يزدهم دعاؤُه إلا فراراً حسبما نطق به قولُه تعالى: {رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً} الآيات، إذ هو الذي يعقُبه الإنجاءُ والإغراقُ لا مجلادُ التكذيب {فأنجيناه والذين مَعَهُ} من المؤمنين، قيل: كانوا أربعين رجلاً وأربعين امرأةً وقيل: تسعةً: أبناؤُه الثلاثة وستةٌ ممّن آمن به، وقوله تعالى: {فِى الفلك} متعلقٌ بالاستقرار في الظرف أي استقروا في الظرف، أي استقروا معه في الفلك أو صحِبوه فيه، أو بفعل الإنجاء أي أنجيناهم في السفينة، ويجوز أن يتعلق بمُضْمر وقع حالاً من الموصول أو من ضميره في الظرف {وأغرقنا الذين كذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أي استمروا على تكذيبها، وليس المرادُ بهم الملأَ المتصدِّين للجواب فقط بل كلَّ من أصرّ على التكذيب منهم ومن أعقابهم، وتقديمُ ذكرِ الإنجاءِ على الإغراق للمسارعة إلى الإخبار به، والإيذانِ بسبق الرحمةِ التي هي مقتضى الذاتِ، وتقدُّمِها على الغضب الذي يظهر أثرُه بمقتضى جرائمِهم {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ} عُمْيَ القلوبِ غيرَ مستبصرين.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: عمِيَتْ قلوبُهم عن معرفة التوحيد والنبوةِ والمعاد، وقرئ {عامِينَ} والأولُ أدلُّ على الثبات والقرار.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12